الموسيقى الشعبية المغربية
تنضوي تحت المفهوم العام للفنون الشعبية عدة وسائل تعبيرية يعتبر كل واحد منها فنا قائما بداته , كفن الرقص و فن الغناء و الفنون الشعبية-مهما كان نوعها-مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبيئة لأنها فيها ولدت و بين أحضانها نمت و ترعرعت و كذلك كانت الموسيقى الشعبية تعبيرا عن البيئة في أصالتها أكثر مما كانت تعبيرا عن الإبداع الفردي...
و إذا كانت الموسيقى فنا يطبع الإبداع الفردي و يعكس عواطف الفنان المؤلف قبل غيرها , فإن الموسيقى الشعبية تتجاوز الفرد إلى الجماعة فتعكس امال الشعب و أفراحه و أحزانه .
و لضمان بقائها و حفظها اعتمدت الموسيقى الشعبية المغربية على وسائل بدائية و بديهية , تقوم على الحفظ و التداول الشفوي جيلا بعد جيل , بعيدا عن وسائل التدوين و الكتابة و لذلك ظلت تطبعها العفوية و قابلية الارتجال كما ظلت تغذيها عبر العصور و الأجيال إنتاجات و إبداعات تستمد أصولها من المعطيات الفنية المتوارثة ولكنها في الوقت نفسه تبيح التصرف البديهي و لا تجد فيه ما يمس بأصالتها مما يجعلنا نؤكد الموسيقى الشعبية المغربية تتميز بجمعها بين ظاهرتين
اثنتين هما التقليد و الأصالة من جهة و الإبداع و الإرتجال من جهة أخرى كما نستطيع أن نؤكد أنها فن حي , متحرك و متجدد أو بعبارة أخرى موازن بين الأصالة و المعاصرة . و فضلا على أن الموسيقى الشعبية المغربية فن
متميز فهي تنطوي على أهمية قصوى في سائر مجالات و ميادين المعرفة , فهي مصدر و مرجع أمين لدارس الأداب الإنسانية , و مؤرخ العادات و الطقوس الشعبية المغربية و هي كذلك صورة عاكسة لجانب مهم من جوانب حياة الشعب المغربي في لحظات إبداعه و فترات مرحه . كما أن الموسيقي الشعبية المغربية هي سمة من سمات الحياة الاجتماعية في المغرب و مفخرة من مفاخره و مجمع لثراته , مثلها مثل شجرة تعطي ثمارا من كل صنف , فلهجات تأديتها مختلفة متعددة , منها العربية, و البربية, و الريفية, وكذلك الأطلسية , و حتى الصحراوية بالإضافة إلى طبائع التركيبات اللحنية و أنواع الالات الموسيقية المستعملة و كذا الرقصات و الحركات و الألبسة المتعددة.
و إذا كانت الفنون بما فيها الموسيقى مراة للمجتمع الذي ننمو في ربوعه فكفى أن ننظر إلى طبيعة الأرض المغربية , و تنوع مظاهرها ما بين جبال شامخة , و هضاب ناتئة , و أنهر جارية ز شطآن منبسطة و سهول فيحاء أو رمال مترامية الأطراف , لندرك بعد ذلك كم هي متنوعة و معقدة هذه الصور الموسيقية
عبد العزيز ابن عبد الجليل , مجلة التراث الشعبي العراقية في عددها العاشر ١٩٧٧